الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٦ مساءً

رسائل بيضاء

جمال أنعم
الخميس ، ١٠ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١١:٠٥ صباحاً
الحج هنا

أيها الحبيب عتبت عليك لأني فوجئت بخبر سفرك للحج , ولو كنت أدري لأقنعتك بالعدول , لأني أرى أن الثورة هي محج اليمنيين هذا العام , لا ذنب أكبر من علي صالح وحكمه , ولا آثام لنا أكبر من الصبر عليه , والخضوع له , نحن هنا نغتسل بالدماء , كي نتطهر من ذنوب 33سنه , نحن هنا نطوف ونسعى , في ساحات الحرية , هي منى وعرفات ومزدلفة , نحن هنا نضحي بأرواحنا وكل غال , كي نفتدي أنفسنا من جحيم القهر والإذلال .

شيطاننا الأكبر الذي يستحق الرجم هنا , يسكن حياتنا , يعيث فساداً , ينفث شروره في البلاد , كان بودي أن أمسك بك كي تحج هنا ليس بذاتك فقط بل بوطن كاملٍ يثور من أجل الخلاص .
عاطلون عن النضال

ما قيمة أن نجد الإمكانات , وقد أضعنا أنفسنا , و فقدنا إمكانية العمل .

الفعالية والتحفز والشغف والإصرار شروط أساسية تسبق الحديث عن المتطلبات .

المطلوب الأول هو الإنسان الفاعل , الذي يرغب ويريد ويعمل من أجل تحقيق وجوده .

المشكلة أن يتحول المناضل إلى موظف بائس و أجير ,لا يفعل شيئا سوى انتظار الأمر والأجر , هو مستوى من سوء الإدارة وفشل التربية , وتحول النضال إلى مؤسسة بيروقراطية تكد لاستيعاب العاطلين عن العمل , بجعلهم متبطلين بالكامل , وعالة على المؤسسة والنضال والحياة , يمتهنون الشكوى , ويتفرغون للنقمة والوشاية ,وتوزيع اللوم على مسئوليهم والأخرين .

كُتّاب الثارات

مأزق بعض الكتاب والمحللين مع الثورة , أنهم في تحليلاتهم ومقارباتهم , ينطلقون من مواقعهم ومواقفهم القديمة ذاتها , بكل مالها من حمولات , لا يريد الكاتب منهم مغادرة إرثه ومنظوره العتيق وتصوراته الجامدة , ولا يريد إعادة تفحص أدواته التحليلية العتيقة , وخبرته المسبقة ,لذا تبدو تحليلاتهم محاولات خرقاء لجر هذا المد الثوري الهائل إليهم بدلاً من مواكبته والتعامل معه بدينامكية ومرونة أكبر , وانطلاق مساوق من أسر التحيزات والأحكام الجاهزة المسبقة .
الثورة عند هؤلاء مسارات محددة , ومآلات مرسومة , ونتائج مقدماتها واضحة , لا يريدون التضحية بعدتهم البالية , وعتادهم القديم .

الثورة لا يمكن أن تكون انفجاراً قياميا , ولا زلزلاً هائلا يعيد رسم خارطة الوجود , لا يمكن أن تكون فعلا مجاوزاً , وحدثا جديداً يخلق مفاعيل جديدة , وشروط مختلفة لا يمكن أن تكون عملية قطع مع ما سبق, ومنهم أصحاب ثارات وخصومات مع أشخاص وجهات وقوى , ينظرون إلى الثورة من خلال حزازاتهم كموضوع ثأري محض وفي تعاملهم مع تجليات المشهد الثوري يعمدون إلى تصفية حساباتهم ليس إلا وعلى حساب الموضوعية والحياد والمنهجية .

يا صديقي أتدري ما الفرق بين من يطلب ثأره ببندقيته , ومن يطلب ثاراته بقلمه , الفرق أن الأول يقتل فردا مقابل فرد , أما الثاني فيقتل الناس أجمعين , ولا يكف أو يتوقف , المفارقة أن طالب ثارات الأمس أخرس اليوم بندقيته وتجاوز ثاراته الشخصية , والتحق بالثورة , لكي يثأر بسلام للوطن كله , في حين يواصل كُتاب الثارات قتل الثورة والثوار , وإعدام المبدأ والقيمة , وإزهاق روح الكلمة , وتمريغ الثقافة في وحل الأحقاد .

الثورة عيدنا الكبير

لقد دفع أباءنا وأجدادنا الأوائل ضريبة الحرية كاملة , غير أنا ورثنا عنهم وللأسف , وطناً ضيعناه , وخوفاً ممتداً من الحرية , الثورة خطوة على الطريق , فعلٌ مستمر , زمنٌ مفتوح , متعدد الخيارات , تاريخٌ يصنعه الأحرار ,
الثورة موضوع ألصق بالروح , تستثير أجمل وأنبل وأكرم ما في الإنسان , أشواقه لإثبات ذاته وكينونته , شعوره العارم بإستحقاقه وأهليته وجدارته في صنع واقعه وتاريخه , وتوفير شروط بقاءه حراً غير قابل للتدجين أو الإستلاب أو الإرتهان ,
الثورة صحوة كبرى في ليل القهر , وثبة شعب في وجه الخوف , فجرٌ بدأت إشراقته في العقول والقلوب , ملحمة شعب ووطن , سننتظر لن نيأس , سنوطن أنفسنا على الصبر , لكنه الصبر المحرر , سنحلم ونحلم , وننام على يقين , ونصحو على أمل ,على صباح يبزغ من قلب العتمة .

الثورة عيدنا الكبير , هي الجوهر السعيد والمظهر الجديد لليمن واليمنيين , هو ذا الوطن يخلع شقاء عهود , ليلبس ثوب الحرية والكرامة , هو ذا يخيط زمنه القادم الأجدب أروح الشهداء ومن جراحات الفادين الكبير , هو ذا ينزل البسمات من دموع الأمهات وأحزان اليتامى , ومواجيد الضحايا ,هو ذا يتبرعم في حنايا هذه الساحات السخية , الندية , الضاجة بأشواق الحياة , الواقفة بشموخ وكبرياء , هذا عيد له طعم الخلاص وحلاوة الحرية ,هذا عيدٌ تهدينا أفراحه الكبرى مواكب الشهداء والثوار .