الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٢ مساءً

عبد الملك "نمبر ون" وعبد الملك "نمبر تو"

نبيل سبيع
الاثنين ، ٠٥ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٠٥ صباحاً
كل ما يقوله الحوثي عن خصومه ينطبق بالكامل عليه، وكل ما يقوله عن نفسه ينطبق على أيٍّ كان في العالم باستثنائه هو. وحين تستمع لخطابات عبد الملك الحوثي تدرك أن كل مسافة في الكون يمكن قياسها وعبورها بسهولة باستثناء المسافة بين ما يقوله عبد الملك الحوثي وما يفعله!
من أين نبدأ؟ وإذا بدأنا، أين سننتهي؟ لنبدأ من الإسلام الذي يتحدث الحوثي بإسمه والذي ذكَّرنا في خطاب المولد النبوي اليوم بأنه دين إخاء ومحبة وسلام وتسامح، بل ووسّع دائرة تسامحه لتشمل البشرية جمعاء مستدلاً بمقولة الإمام علي (ع): "الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق". ثم تساءل: لماذا لا يتسع الإسلام (لنا جميعاً)؟
صحيح. لماذا لا يتسع الإسلام لنا جميعاً؟ أو لنكن أكثر تحديداً: لماذا لا يتسع إسلام الحوثي مثلاً للإسلام الإصلاحي والإسلام السلفي والإسلام السني عموماً؟ هل يدرك عبد الملك أن جماعته هي الوحيدة التي تفجر مساجد المذاهب الأخرى حيثما حلّت؟ حتى أمريكا التي يصرخ بموتها تسارع للاعتذار حين تصيب بالخطأ "صومعة" مسجد وتدفع فوراً تكاليف إصلاح الضرر، حدث هذا في العراق مثلاً.
ولكنْ، دعكم من تسامح الحوثي مع المذاهب الإسلامية الأخرى! لماذا لا يتسع إسلام الحوثي للإسلام الزيدي نفسه؟ فحتى المساجد الزيدية لا تقف خارج دائرة انتهاكات الحوثي: هل تعرفون أن هناك عشرات المساجد الزيدية تعرضت لاعتداءات حوثية، وأن الحوثيين يستولون عليها بالقوة، وأن هناك معارك واتفاقات صلح تبرمها القرى الزيدية مع الحوثيين لإيقاف انقضاضهم على مساجدها، ومع هذا لا يتوقفون؟
وفي الخطاب، قدم الحوثي نفسه كزعيم للأمة الإسلامية جمعاء، تحدث بلسانها ودعاها للإتحاد صفاً واحداً في مواجهة الأعداء. ذكرها بما حثها القرآن عليه من توحيد الصف ونبذ الفُرْقة والصراعات الجانبية، وكأن من يرسل الميليشيات إلى إب والبيضاء وتعز وغيرها لخوض "صراعات جانبية" هو قائد جماعة بروتستانتية تُدعى "نصارى الله"!
بين كلام الحوثي عن التسامح بين المذاهب الإسلامية وضرورة توحيد الأمة وممارساته على أرض الواقع، أنقاض وركام هائل من المساجد المدمرة وأكوام هائلة من الجثث وجراح مذهبية ومجتمعية لا أحد يدري كيف ومتى ستندمل. وكلامه عن التسامح الإسلامي والوحدة مجرد مثال من جملة أمثلة تبرز إلى أي مدى تبدو المسافة بين أقواله وأفعاله مستحيلة القياس ناهيك عن العبور. وكما في المسألة الدينية والمذهبية، يتحدث الحوثي في السياسة:
لقد جدَّدَ دعوته لتنفيذ اتفاق السلم والشراكة وملحقه الأمني. هل تعرفون أن المعرقل الرئيسي- إن لم نقل الوحيد- للاتفاق وملحقه منذ توقيعهما هو الحوثي؟ اقرؤوا بنودهما كي تعرفوا إنْ كان قد التزم ببندٍ واحدٍ منها أو مستعداً لتنفيذ أيٍّ منها في قادم الأيام! مِن سحب الميليشيات من المدن وبسط سلطة الدولة عليها إلى تسليم أسلحة الجيش والمحافظات للدولة إلى تخويل الدولة وحدها بمحاربة القاعدة إلى..، كل هذا وغيره من البنود يرفض الحوثي تنفيذه!
اتفاق السلم والشراكة الذي يطالب الحوثي بتنفيذه هو عكس اتفاق السلم والشراكة جملةً وتفصيلاً، تماماً مثلما أن عب الملك الحوثي في الأقوال هو عكس عبد الملك الحوثي في الأفعال جملةً وتفصيلاً.
الحوثي شدَّد على تنفيذ الملحق الأمني قائلاً: "وخاصة فيما يتعلق بمحافظة مأرب" التي حذر من سيطرة القاعدة عليها. وهو هنا يطالب الدولة بمحاربة القاعدة وبسط نفوذها على مأرب لأن مأرب ليست تحت نفوذه! وقد أدان بقوة استيلاء قبائل في مأرب على أسلحة كتيبة عسكرية وكأنه لم يستولِ على ترسانة معسكرات بحالها! وفوق هذا، تخيلوا ماذا قال: لقد تحدث عن ضرورة الشراكة في السلطة!
إذا كان الحوثي هو من يطالب الآن بالشراكة في السلطة، فمن هو الذي أقصى سائر الأطراف والقوى السياسية اليمنية من السلطة؟ من أقصى الجميع بمن فيهم الدولة اليمنية نفسها من السلطة؟
إذا لم يكن الحوثي، فلابد أنه الحوثي.
وعليه: هل هناك حوثي آخر؟
على منوال مقولة الإمام علي (ع) التي استدل بها الحوثي، يمكننا أن ننسج: "عبد الملك صنفان: إما عبد الملك الذي في الخطاب، أو نقيضه الذي في الواقع". فالواضح أن هناك نسختين مختلفتين جداً من عبد الملك الحوثي:
عبد الملك الذي يتحدث وعبد الملك الذي يفعل. عبد الملك الذي يدعو للتسامح الإسلامي بين المذاهب، وعبد الملك الذي يفجر مساجد المذاهب الأخرى ويعتدي حتى على مساجد مذهبه الزيدي. عبد الملك الذي يدعو لوحدة الأمة الإسلامية ونبذ الصراعات الجانبية التي تعزز الفُرْقة، وعبد الملك الذي يهرول إلى إشعال الصراعات الجانبية التي تعزز الفُرقة في كل مكان داخل بلده. عبد الملك الذي يطالب بتنفيذ سائر بنود اتفاق السلم والشركة وملحقه الأمني، وعبد الملك الذي يرفض تنفيذ أي بند من بنود اتفاق السلم والشراكة وملحقه الأمني. عبد الملك الذي يطالب بشراكة الجميع في السلطة، وعبد الملك الذي يقصي جميع شركائه من السلطة. عبد الملك الذي يطالب الدولة ببسط نفوذها على مأرب، وعبد الملك الذي يمنع الدولة من بسط نفوذها على صعده وعمران وصنعاء وبقية المحافظات. عبد الملك الذي يدين نهب قبيلة لأسلحة كتيبة عسكرية، وعبد الملك الذي ينهب أسلحة معسكرات كاملة دون أن يرفّ له جفن.
باختصار: هناك عبد الملك "نمبر ون" وعبد الملك "نمبر تو". وعبد الملك "نمبر تو" هو عكس عبد الملك "نمبر ون" جملةً وتفصيلاً. عبد الملك "نمبر تو" يفعل أيّ شيء باستثناء ما يقوله عبد الملك "نمبر ون"، ويشبه أي إنسان على وجه الأرض باستثناء عبد الملك "نمبر ون".
عبد الملك الحوثي، الذي قدم نفسه كقائد روحي للوحدة الإسلامية، قدم نفسه أيضاً كقائد مستعد وجاهز لحماية الوحدة اليمنية. غير أن مشكلة هذا القائد "الوحدوي" تكمن في مشكلة بسيطة: إنه منقسمٌ جداً على نفسه.
فكيف يمكنه أنْ يقود الوحدة اليمنية (أو أيّ وحدة من أي نوع) وهو منقسمٌ إلى هذا الحد؟!
حاول أولاً أنْ توحِّد نفسك يا سيد عبد الملك ثم حدثنا عن توحيد الأمة!
حاول أنْ تجمع بين عبد الملك "نمبر ون" وعبد الملك "نمبر تو" على طاولة واحدة وتجبرهما على توقيع اتفاق مبادئ وتفاهم أوّلي بينهما! لماذا لا تتصل به وتستدعيه؟ وإذا رفض، لماذا لا ترسل له "طقماً" من حراستك كي يجلبوه لك "مُرَبَّطَاً"؟
يا عبد الملك الحوثي، أنت أكثر زعيم مُطَاع من جماعته، لكنّ الوحيد الذي لا يطيعك بين الحوثيين هو عبد الملك الحوثي.
يا عبد الملك الحوثي، أنت أول يمني يحظى في مثل سنك بكل هذه السلطة، فكيف إذا مدّ الله في عمرك وظل عبد الملك الحوثي يسرح ويمرح هكذا، إلى أين سيصل بنا؟
يا عبد الملك الحوثي، في كلامك الكثير، هناك كلام جميل ونبرة صدق، ولكننا لا نرى في ما يفعله عبد الملك الحوثي على الأرض سوى القبح وتكذيب كل ما تنادي به وتدعو له.
يا عبد الملك الحوثي، ضع حداً لعبد الملك الحوثي، فهو أكبر المتمردين عليك وأخطر أعدائك، وقد مسّ اليمنيين منه الضرّ والأذى حتى بات الضرُّ حوثياً والأذى أبرز قادتك الميدانيين.
يا عبد الملك الحوثي، اليمن لا تحتمل عبد الملك واحد، فكيف بربكَ ستحتمل إثنينكما؟!

* من صفحة الكاتب على الفيس بوك