الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٩ مساءً

حربٌ لا تخصنا ..!!

مروان الغفوري
الاثنين ، ١٩ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٢٨ مساءً
قبل أن يقتحم الحوثيون عمران كان الشاب جلال عبده ربّه منصور هادي يساوم الإيرانيين على مبلغ 10 مليون دولار مقابل الإفراج عن معتقليهم. نقل الإيرانيون شكواهم إلى رئيس الوزراء، باسندوه، وإلى الحوثيين. وعندما أصبحوا على بعد طلقة مسدس من باب الرئاسة كانوا يدركون جيّداً أي نوع قذر وغبي من السلطة هي "عائلة هادي". منحهم كل شيء، من الجمهورية حتى أحمد عوض بن مبارك. تنتهي الأمور عادة على هذا الشكل: عندما يكتشفون أن هادي لم يعد قادراً على منحهم المزيد سيضعون السم في طعامه والكلاشنكوف في مؤخرته.

لا يزال ابن المعربة "اسم قريته" يعتقد إن بمقدوره خداع كل العالم. فقبل عام واحد فقط قال للعطاس، كما اعترف الأخير لسياسي يمني رفيع، إنه سيفعل كل شيء لينكب حزب الإصلاح ومستشاره العسكري. وحالياً في صنعاء لا نرى دبابات الحوثي تحاصر سوى هادي وجلال، وتخفي طفله المدلل وتلمح إلى أمور مذهلة.

يبدو حزب الإصلاح نائماً في داره العامره، أما الجنرال فقد عاد إلى صديقته القديمة، الرياض، وفيما يبدو خرج من "استراحة المحارب" التي وصفها لي قبل أشهر.
هادي لوحده، بلا حصان، يشبه ريتشارد الثالث في التراجيديا الشهيرة لشكسبير، وهو يصرخ من يعطني حصاناً وله مملكتي.
لا أحصنة في صنعاء. هناك فقط ميليشيا مسلّحة بلا أخلاق ولا خيال. قال عنها أحمد عوض بن مبارك أمام لجنة كتابة الدستور في الإمارات، قبل شهرين، إنها ليست ميليشيا، بل قوة وطنية سياسية صاعدة تحاول بعض القوى السياسية شيطنتها. كان بن مبارك نسخة مصغرّة للغاية من هادي. حتى وهو عائد من صعدة، بعد أن سمع من الحوثي جملة "سنحارب في الجنوب حتى آخر جندي"، أصلح هندامه وابتسم لرفاقه الجنوبيين في القاهرة. قال لهم إن الحوثي يدعم القضية الجنوبية ولا يمانع من الحق في تقرير المصير. كان يكذب مثل مولاه وأسوأ. وكالعادة، يكذب الرجلان على رفاقهما، وهو النوع الأقذر من الكذب.

لم يبق من الدولة اليمنية شيء. بقيت مؤسسات بيروقراطية صغيرة لا تملك الحق في صناعة السياسات، أو اتخاذ أي قرار بمعزل عن رجل مرّان القوي والمعتوه.
البارحة وحتى منتصف الليل، لكم أن تتخيلوا ذلك، يحاول خالد بحاح، رئيس الوزراء، نشر بيان للحكومة اليمنية بخصوص اعتقال بن مبارك، ولم يجد وسيلة إعلامية حكومية تجرؤ على نشره. حتى وكالة سبأ ذهبت تتابع أخبار الطقس في العالم. انتصف الليل، وذاق فيه بحّاح طعم الذل وغدر الأصدقاء.

الحراك الجنوبي لا يزال يقهقه منذ يومين. وفي تقديرهم، بحسب أخبار اليوم، فما يجري في صنعاء هو اتجاه الحوثي لتأديب بعض رعاياه. يتجاهل الحراك الجنوبي مشكلة جوهرية، فلديهم رؤوس كثيرة تشبه الرأس الهادوي، وهي أن الجنوب كله أصبح تحت مرمى بنادق الحوثي. لقد سقط الجنوب كله سقوطاً ناعماً، وخلال أيام يستطيع الحوثي أن ينفذ انتشاراً كثيفاً وينتهي أمر المسألة الجنوبية.
قبل ستة أشهر قلتُ لقناة فضائية إن الجيش الإيراني يحاصر العاصمة صنعاء. وكان بعض الكتاب يضحك من تلك الجملة التي قالها ساذج. لكن الأيام مرّت وهدّ الحوثيون سوراً للجامعة اللبنانية في صنعاء، مهددين بالأسوأ. ولم يمض سوى يوم واحد حتى اعتذر الحوثيون لإدارة الجامعة والتزموا بإصلاح الضرر. أما رئيس الجامعة فقد شرح لنائبه وفريقه السر: جبت رسالة من لبنان.

كشعب يمني لقد فقدنا الجمهورية. الباقي تفاصيل. عندما نتحدث عن الجمهورية فنحن نعني الدولة الديموقراطية الناشئة التي كانت حتى الواحد والعشرين من سبتمبر تعاني من اختلالات جوهرية عميقة وكان يمكن إصلاحها. وبدلاً عن ذلك جاءت قوّة جبلية مسلّحة ليست على خبرة بالمدينة ولا بالديموقراطية ولا تتخيل العالم، ثم اقتلعت الجمهورية المريضة وخلقت سوقاً للرب. سوقاً عظيماً لا تُرى فيها سوى البنادق. أو هي أكثر ما يُرى فيه. حصل الربّ على سوقه الكبير، وعدنا نحن خاليي الوفاض.

في ليلة واحدة صمد لواء التلفزيون أمام الميليشيا الدينية شمال العاصمة. مع نجمة الفجر أرسل هادي وزير دفاعه، ولم يكن ابن معربة كهادي فاسم قريته مختلف. التقى الوزير بالجنود ولم يجد القادة. سأله الجنود عن القادة ـ بحسب التقرير اليتيم الذي انفردت به صحيفة المدينة السعودية ـ فقال إنهم فرّوا وأن فرارهم كان عملاً حكيماً وذا أبعاد سياسية عميقة. ثم أمرهم بترك السلاح.

وقبل ذلك بيومين شاهد العالم 16 جثة في الميري مرمية في أحياء شملان. كان الحوثيون قد قتلوا في وضح النهار كل أولئك الجنود. صمتت وزارة الدفاع، ومنعت خروج أي بيان باسم الجيش. أما إعلام هادي فقد نشر أخباراً تتعلق بالهوية السياسية لأفراد الجيش! محيلاً عملية قتلهم إلى السياسة. كان هادي حقيراً منذ البداية، لكنه مع الأيام أصبح جثة قاتلة.

دعونا نتذكر رواية وزير الداخلية السابق، الرواية التي قال فيها إن هادي ووزير دفاعه رفضا الرد على تلفونه بينما كان الحوثيون يقتحمون بعشرات الآلاف من المسلحين عاصمة الجمهورية اليمنية. لا ينبغي أن ننسى أن الاسمين الواردين أعلاه يعود أحدهما لرئيس الجمهورية والآخر لوزير دفاعه.
رواية مشابهة قدّمها صخر الوجيه. فبينما كان الحوثيون يقتحمون الحديدة رفض هادي الرد على كل تلفونات محافظها.

كانت تلك حربنا الخاسرة، وهي الحرب الشريفة الوحيدة التي كان ينبغي أن نخوضها، ولم نفعل. وإذا ما راجعنا أوراقنا على نحو عاقل سنجد نائب قائد الحرس الثوري الإيراني يتحدث قبل أسبوعين قائلاً إن اليمن أصبحت في قبضتهم وأنهم يتحركون هناك، ويحركون المياه في ذلك البلد، طبقاً لمتطلبات الأمن القومي الإيراني وأمن الخليج الفارسي.

خسرنا حربنا الوحيدة، وما بقي بعدها لم يعُد يهُم.
لا حصانة لأحد، الآن. حتى مأرب التي لا تزال وحيدة وشامخة ستجد نفسها أمام عاصفة رهيبة ربما تقتلعها إلى الأبد. قال اليونانيون قديماً "قد تجد في النهر ما لا تجدُ في البحر". وقد تفعل مأرب أمراً ما، لكنها في أفضل حالاتها قد تؤخر نصر الحوثيين، أو تجعله نصراً مكلّفاً.

بعد مائة عام سيصبح بمقدور مؤرخ شاب أن يكتب هذه الجملة:
"البلد الذي أصبح علي البخيتي أعقل رجل فيه كان متوقعاً أن يختفي من الوجود في أي لحظة."
استخدم الحوثيون كلمة ثورة فبراير، ثم استبدلوها كلياً بثورة سبتمبر. لم ترد كلمة فبراير مرة واحدة في كل خطابات الحوثيين منذ سبتمبر. استخدموا دالة الحوار الوطني أطنان المرات، ثم اختفت تلك الدالّة بحلول شمس الواحد والعشرين من سبتمبر. ثم استخدموا لافتة السلم والشراكة، وها قد أصبحت أطلالاً. الحقيقة أن الحوثيين يدركون جيّداً ما الذي يريدونه. ذلك عندما نتحدث عن نخب صنعاء فقيرة الخيال والتي بلا أخلاق. هذا المشهد الواضح والمجنون قال عنه ياسين سعيد نعمان، السياسي الوحيد الذي ربح وفاز وأصبح سفيراً في دولة عظمى، إنه مشهد أجمل ما فيه تساوي القوى. بالنسبة لياسين نعمان فالقوى متساوية الآن في صنعاء! وأن ذلك التوازن ـ كما يرى ـ يخلق أملاً بوطن جديد ومستقر يكون للجميع! وفي مؤتمر تنحيه عن رئاسة الحزب دعا الحوثيين لإلقاء خطابٍ عن الدولة المدنية. وضع الحوثيون رشاشاتهم لدى حراسة القاعة، واستعادوها بعد الخطاب. أما الرجل فكان سعيداً لدرجة إنه ألمح إلى إنه لم يعد بحاجة إلى حزب ينتهج العنف والإرهاب، يقصد الإصلاح. ذلك أن ثمة شركاء جدداً يستحقون أن تبنى معهم الجسور المدنية الحديثة، وكان يشير إلى الحوثيين.
هذه مغارة، وليست بلداً!

يزِن الحوثيون أمراً وحيداً في صنعاء هذا النهار: ما إذا كان الإبقاء على هادي سيفيدهم كثيراً في المستقبل أم لا. يتجادلون حول الإجابة الصحيحة، وحال ظهور إجابة مقتنعة سيتحركون. الإيرانيون يضعون قيمة كبيرة للأمر، واضعين صنعاء ضمن المشهد الدولي الكلّي. تقول الدراسات الجديدة حول النفط إنه سعر 50$ للبرميل قد يصبح سقفاً لا قاعاً، وأن النفط قد يهبط حتى العشرين دولاراً كما كان مطلع التسعينات، أو في الفترة من 86 حتى 94م. حالياً تصدر إيران مليون برميلاً من النفط في اليوم، بدخل سنوي لا يتجاوز عشرين ملياراً في العام وفقاً للأسعار الجديدة. تبدو، بالمعنى الاستراتيجي، الأرض الجديدة نظيراً مرضياً أو ربحاً معقولاً قد يسمح لإيران بمقاومة كارثة انهيار عالم النفط، واضمحلاله. بالتوازي، يواجه الحوثيون عقدة وجودية، كونهم أقلية ضمن أقلية، وفي المجمل فإن الحوثيين لا يتجاوزون 10% من الشعب اليمني. ولأنهم حركة دينية خالصة فقد وقعوا في أزمة وجودهم الديني، فالدين ليس للجميع، بل لمعتنقيه. المجتمعات الدينية ذاتية الإنغلاق Self enclosed تتكاثر على أطرافها على نحو بطيء بحسب ديناميكيتها وقدرتها على صناعة تحالفات. لكن تحالفات الجماعات الدينية سرعان ما تنهار، وتبقى وحيدة. في مذكرات حمدى قنديل تجد صورة كاريكاتورية مروّعة للرئيس الديني محمد مرسي الذي كان يحرص على أن يؤم حلفاءه السياسيين في الصلاة أكثر من حرصه على الاستماع لتعليقاتهم.

حاجة إيران للأرض الجديدة، وحاجة الأقلية الحوثية لليد الإيرانية، والقدرة الإيرانية الكلية كما قدرة حلفاء إيران، يدفع الأمور في اتجاه واحد: الهيمنة الكلّية.
أما كاريكاتورياً فلا يجد الحوثيون من معاوقة تذكر. إذ يعكف الناصري منذ آلاف السنين على موضوع المختفين قسرياً، بينما يفكر الإصلاح بأئمة مساجده. أما الاشتراكي فيكفي أن تقول أمامه "إن بعض القوى تعيق عملية التقدم" ثم تفعل بعد ذلك ما يحلو لك. لن يسألك الاشتراكي عن ما الذي تقصده ببعض القوى، فهو أيضاً لا يعرف.
وفي المجمل استخدم المثقفون والساسة اليمنيون جملة بعض القوى في العشر سنوات عشرات آلاف المرات، وكانوا على الدوام يقصدون شبكة الاتصالات "سبأ فون!" وهذه ليست مزحة.
هذه مغارة وليست بلداً!

الطريق معبدة للحوثي، ولم تعُد هناك من حرب عليه أن يخوضها. حتى حرب مأرب يستطيع تدبّرها بطريقة أو أخرى. وفي أفضل أحوال مأرب فستدافع عن نفسها لتبقى مجرّد مأرب.
أما هادي وفريقه وأسرته فكان العادة كانوا آخر من يسقط في اليمن. وبسذاجة غير مسبوقة تاريخياً ـ في الواقع مسبوقة وهناك قصص كثيرة ـ اعتقد هادي إنه باستطاعته أن يمنح الحوثيين النصر الشامل على اليمنيين لكي يصبح هو رئيساً للمنتصرين!
لم يفق من الكارثة إلا عندما اتجه إليه مسلح حوثي صغير، كان حتى الأمس يرهّط بورق عِلب قبل أن يغيّر على حلبة، ومنعه من الخروج لصلاة العيد في المُصلى. لكن هادي سرعان ما عثر على كاميرا في دار الرئاسة وطلب من الحارس التقاط صورة له وهو يصلي. كان مؤمناً وخاشعاً، قال بعد الصلاة إن صنعاء لن تسقط، ولم تسقط قط.
يجري الحوثيون حالياً عملية تأديب لغلامهم الغبي، هادي، الذي عمل كما ينبغي في الأيام الماضية لكنه أخطأ قراءة طلبات ورقة أخيرة لم تكن مكتوبة كما يجب.
وهذا شأن داخلي للجماعة.
بالنسبة لنا كيمنيين فقد نلنا هزيمتنا كاملة قبل أشهر. بقيت هزيمة القوّادين توزّع عليهم بالدور.

خسرنا وجودنا الحضاري كدولة، وكمجتمع حر. حلت الميليشات مكان الدولة، وغمرنا الخوف والوجل والرهبة، وأصبحنا رهائن بالملايين. وبدلاً عن الثورة العظيمة التي نفذناها في لحظة جسارة نادرة تدفق ليل عظيم علينا، ودخلنا في العصر الفحمي الثاني، عصر السواد الحالك.
معركة هادي ليست معركتنا، ومعاركنا لم تكن قط معاركه. كان منشغلاً بسرقة كل شيء، حتى رواتب الضمان الاجتماعي، فكّة الفلوس التي قدمتها السعودية للأكثر فقراً نظير خبز حافي، سرقها هادي وأسرته، كما يلمح تقرير لمفوضية تابعة للأمم المتحدة.