2020/02/05
لماذا لا تطبع الدول الكثير من المال وتقضي على الفقر؟
يخطُر هذا السُّؤال على بال كثير منَّا، وهو لماذا لا تطبع الدولة النقود الكافية أو الكثير من المال لتحل مشكلة الفقراء؟



بما أن الدولة هي التي تقوم بعملية طباعة النُّقود، وطالما كانت التكلفة التي تتحمَّلها الدولة من أجل طباعة النُّقود تكلفةً زهيدةً لا تُذكر، فلماذا لا يتم طباعة النُّقود و الكثير من المال بمقدار يُساعد في القضاء على الفقر؟!



لماذا لا تطبع الدولة النقود الكافية أو الكثير من المال لتحل مشكلة الفقراء؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتلخَّص في جُملة بسيطة، وهي: أن الدولة إذا قامت بطباعة النقود و الكثير من المال فسوف يتسبَّب ذلك في تدمير قطاعها الاقتصادي.



ودعونا نُشِر إلى تفسير علمي وتفسير آخر غير علمي للإجابة عن ذلك السؤال بشكل منطقي.



التَّفسير غير العلمي: تخيَّل أن المُجتمع الذي تعيش فيه أصبح كله غنيًّا ولا يحتاج أيُّ شخص إلى العمل من أجل الحصول على المال، كيف يُمكن لكل شخص بذلك أن يُلبِّي احتياجاته، كيف لنا أن نحصل على الطعام والشراب والملبس طالما أنه لا يُوجد أحد يعمل من أجل توفير تلك الاحتياجات لغيره من الأشخاص بغرض كسب المال؟



أما إذا تطرَّقنا إلى التَّفسير العلمي الذي يجعل الدولة لا تطبع كمية كبيرة من النقود نجد أنه يتمثَّل في ظاهرة التَّضخُّم، فإذا طبعت الدولة أموالًا ضخمةً من دون استخدام لها فسوف يُؤدِّي ذلك إلى حدوث تضخُّم جامح.



كيف لنا أن نعيش في ظل التَّضخُّم الجامح؟



لك أن تتخيَّل أنك تعيش في دولة تزداد فيها الأسعار بمُعدَّل 50% في الشهر الواحد، وقد يصل مُستوى الزيادة إلى 1300% في السنة، وقد تزداد الأسعار بأرقام لا يُمكن تصديقها، فماذا يُمكنك أن تفعل في ظل تلك الزيادة الخُرافية!



ودعونا نُشِر إلى مجموعة من الدول التي شهدت وعانت من ظاهرة التضخُّم الجامح، وهي: شيلي، والصين، والأرجنتين، واليونان، ويوغوسلافيا، وزمبابوي….



وعلى ذكر دولة زمبابوي تجدر الإشارة إلى أنه في عصر من العصور وصل سعر البيضة إلى المليارات!



ونظن أن هذه إجابة كافية ..



ما الأساس الذي تعتمد عليه الدولة في طباعة المال؟



كيف للدولة أن تعرف مقدار المال الذي لها أن تطبعه؟



كان البنك المركزي سابقًا يقوم بطباعة عُملات تُعادل قيمة الذَّهب الذي كان يحتفظ به، ولكن الآن لا يُطبَّق ذلك النظام.



فما يحتفظ به البنك المركزي في وقتنا هذا لا يتمثَّل في ذهب فقط، بل أيضًا يحتفظ بالعُملات الصَّعبة، والسَّندات، وأشياءَ أخرى، بحيث تكون كالغطاء لإصدار أي عُملة، ولكن الدولة بالطبع تتجاوز ذلك الغطاء بشكل خُرافي، لتستمد العُملة قيمتها من خلال مكانة الدولة وحجمها وحجم اقتصادها من بين الدول الأخرى.



فالبنك المركزي الأمريكي لا يمتلك من الذَّهب أو السَّندات أو العُملات ما يُساوي قيمة الورقة التي تحمل 100 دولار.



وعليه، تستطيع الدولة معرفة حجم النُّقود التي لها أن تطبعها لتقوم بطباعة الكمية المُناسبة لا كمية أكبر ولا كمية أقل من المُفترض، وبذلك تنجح الدولة في الحفاظ على قيمة عُملتها من بين العُملات الأخرى.



ولا يدخل تحت تلك الطائلة أن تقوم الدولة بطباعة نقود جديدة لتحلَّ محلَّ النُّقود التَّالفة غير الصالحة للاستعمال، حيث إن ذلك لا يتسبَّب في حدوث تضخُّم أو غيره.



ما النتائج التي تترتَّب على طباعة الدولة نقودًا بلا رقيب؟ إذا كانت الدولة تُعاني من عجز في ميزانيتها، أي إن كفَّة المصروفات أرجح من كفَّة الإيرادات، فيُمكنها اللجوء إلى حلٍّ بسيط وخطير في الوقت ذاته وهو التمويل بالعجز.



فالمقصود بالتمويل بالعجز هو أن تقوم الدولة بطباعة نقود بقيمة العجز واستخدامها في أعمال الاقتصاد، وعليه يحدث ما أشرنا إليه سابقًا، وهو التَّضخُّم، والذي يحدث بسبب تعريض كمية كبيرة من النُّقود للاقتصاد وامتلاك الناس كمية ضخمة من النُّقود.



دعونا نأخذ مثالًا توضيحيًّا على ذلك:



إذا أصبحت القيمة الفعلية لـ1000 ورقة من العُملة في دولة ما 800 فقط، هذا يعني زيادة الفارق في سعر المُنتج الذي كنت تقوم بشرائه بـ800 فقط.



والسبب في انخفاض القيمة الشرائية للـ1000 إلى 800 هو التضخُّم.



ونجد أن الأشخاص الذين يعيشون في ليبيا وسوريا والعراق قد عاصروا تلك التجربة، فمثلًا:



كنت تستطيع الحصول على كيلو لبنة بقيمة 50 ليرة فقط، ولكنك الآن تدفع 300 ليرة لشراء نفس الكمية، هذا يدلُّ على أن القيمة الشرائية للورقة التي تحمل 300 ليرة هي 50 ليرة فقط، ويُمكن القياس بذلك على بقيَّة الأشياء.



وعلى الرغم من ذلك فإن عددًا من المُنتجات المُستوردة سعرها أعلى من القيمة التي تتمتَّع بها.



فعلى سبيل المثال:



قبل حدوث التضخُّم كان سعر كيلو القهوة 700 ليرة، أي ما يُعادل 14 دولارًا أمريكيًّا (الدولار يُعادل 50 ليرة).



وبعد حدوث التضخم أصبح سعر الكيلو وليكُن 3000 ليرة؛ أي ما يُعادل 6 دولارات فقط (الدولار أصبح يُعادل 500 ليرة).



وإذا استمرَّ الوضع على ما هو عليه من المُمكن أن يصل سعر الكيلو إلى 7000 ليرة، ولن يعود ذلك بالفائدة إلا على هؤلاء الذين يحصلون على دخلهم بالدولار.



وبنهاية المقال نرجو أن نكون قد وُفِّقنا في الإجابة عن سؤال لماذا لا تطبع الدولة النقود الكافية لتحل مشكلة الفقراء؟ بشكلٍ مُفصَّلٍ، وبشرحٍ وافٍ ودقيقٍ يستفيد منه القارئ العزيز، مع الاستفادة من الأمثلة التوضيحية المذكورة.
تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن برس https://yemen-press.net - رابط الخبر: https://yemen-press.net/news111187.html