2017/04/26
الدراما اليمنية.. مسلسلات «طائفية» في رمضان
في مثل هذه الأيّام من كل عام، اعتاد اليمنيون مشاهدة إعلانات تروّج لأعمال درامية يجري التحضير لها من قبل فريق فنّي واسع، يشتغل على عدّة مسلسلات، تمهيدًا لعرضها في شهر رمضان. الشهر الوحيد الذي يستمتع فيه اليمنيون بأعمال درامية محليّة.

هذا العام تبدو الساحة الفنية على غير المعتاد، وتخلو من الاستعدادات والتحضيرات للأعمال الدرامية، وذلك جرّاء الحرب التي طاولت كل شيء في اليمن.
الأزمة اليمنية، وسيطرة الحوثيين على صنعاء، وعلى مفاصل ومؤسّسات الدولة، وما صاحب ذلك من إغلاق لقنوات محلية، وارتفاع وتيرة الصراع السياسي والعسكري، ألقى بظلاله على الأعمال الفنيّة اليمنية من كل النواحي.

مثلما ضيّقت الأطراف المتصارعة على حرية الصحافة والتعبير، وأغلقت صحفًا ومواقع وحجبتها على الإنترنت، سعت نحو إغلاق قنوات ومكاتب شركات إنتاج، بعضها كانت تعمل في إنتاج الدراما الرمضانية. وما هو موجود حتى الآن وما يتمّ التحضير له هو عمل درامي شحيح وضئيل، ولا يرتقي إلى المستوى المطلوب ولو بشكل نسبي، طبقًا لحديث بعض العاملين في مجال الدراما.

الكاتب الدرامي، فؤاد الوجيه، يقول في حديث إلى "جيل": "أحدثت الحرب الدائرة في اليمن شرخًا في النسيج الاجتماعي، والسياسي بشكل خاص، والإعلامي بشكل عام، ويأتي في مقدّمة العمل الإعلامي، الأعمال الدرامية، التي كانت بمثابة روضة يتنفّس من خلالها اليمنيون، في شهر رمضان، باعتبارها نافذة للهروب من زخم الأحداث التي تتوارد عليهم بين حين وآخر".

ويضيف المتحدث أن "ما يحز في النفس، هو أن الأعمال الدرامية الكوميدية والتراجيدية لهذا العام ستكون بشكل شحيح للغاية، وإن وجدت فستظهر على استحياء، وبنكهة ممزوجة بلغة الحرب والمعاناة المتراكمة على المجتمع، وحتى الجوانب الترفيهية التي ستتخلّلها ستكون بمثابة البسمة المعصورة بالألم".

ويتوقع الوجيه، في هذا الصدد، أن تبرز مجموعة من الأعمال الدرامية الجديدة، لكن ليس بذلك الزخم والروح الذي ظهرت خلال الأعوام السابقة. نتيجة لإغلاق القنوات وشحّ الإمكانيات والممارسات السلبية التي تمارس تجاه مثل هكذا عمل، والتي دفعت بالكثيرين إلى البحث عن مواقع بديله لتنفيذها وبشكل متخفّ أغلب الأحيان، على حدّ تعبيره.
إغلاق القنوات

كثيرة هي القنوات اليمنية التي كانت تعمل في تقديم دراما لليمنيين خلال رمضان، بعضها مستقل وبعضها تابع لأحزاب وجهات سياسية، لم يعد لكثير منها وجود في الساحة، فمكاتبها صودرت تحت مظلّة الصراع السياسي الذي دخل فيه البلد قبل عامين من الآن.

بعض هذه القنوات صارت تعمل من خارج البلاد، بعد أن ضاقت مساحة وجودها بممارسات جماعة الحوثي وحلفائهم، الذين فرضوا بقوة السلاح لونًا سياسيًا واحدًا طاول كل شيء.
يقول المخرج التلفزيوني، توفيق عبد المجيد الشرعبي في حديث إلى "جيل": "نجحت الدراما اليمنية خلال السنوات الأخيرة في الاقتراب من واقع المجتمع اليمني وأصبحت معبّرة عنه إلى حد كبير، لكن انتكاسة كانت بانتظارها، وتحديدًا منذ عامين، على يد مليشيا الحوثي وصالح التي كانت تدرك أهمية وقوّة تأثير الدراما على المشاهد اليمني، فعمدت إلى بسط نفوذها والاستيلاء على القنوات اليمنية الحكومية والخاصة كمرحلة أولى، ومن ثم تطويع إنتاج هذه القنوات من العمل الدرامي لنشر أفكارها التي تتّصف في كثير منها بالطائفية والمذهبية، وبث الكراهية في المجتمع اليمني، وكان الإغلاق عقابًا للقنوات التي رفضت الخضوع لهذه الإملاءات، ولهذا غابت الدراما عن الشاشة خلال العامين الماضيين إلا ما ندر وبنكهة طائفية".

نجوم في الجبهات

على الرغم من تواضعها، مقارنة بنظيراتها في بلدان أخرى، إلا أن للدراما اليمنية في رمضان جمهورا محلّيا كبيرا. ويؤكّد كثير من الفنانين والممثلين، أنه خلال الخمسة الأعوام الماضية شهدت الدراما اليمنية تحسنًا طفيفًا، بسبب انتهاء احتكار النظام الحاكم للإعلام الفضائي، وإن طغى الطابع السياسي على معظم الأعمال الفنيّة التي أُنتجت بعد ذلك. ولكن المشكلة الكبرى هي الحاصلة الآن، والتي يمكن القول إنها مثلت ضربة للواقع الدرامي اليمني.

يشرح مساعد مخرج المسلسل الشهير "همّي همّك"، حسن باحريش، بعض جوانب التعقيدات التي حصلت في اليمن، حيث يقول: "الدراما اليمنية تأثرت بسبب الحرب بشكل كبير جدًا، بل أقول إنها انعدمت وأصبحت شيئًا صعبًا جدًا تنفيذه".

ويستطرد المتحدّث: "الممثلون أصبحوا مقسمّين بسبب العنصرية والطائفية، بل أصبح البعض مشردًا خارج اليمن، لا يستطيع العودة وحتى إن عاد إلى المناطق التي تم تحريرها، فهذه المناطق لا يوجد فيها شركات ضخمة لإنتاج أعمال درامية بالشكل المطلوب، إضافة إلى أن هناك نجومًا بارزين يمثّل حضورهم عنصرًا مهم في دراما رمضان، وهؤلاء منخرطون في أحزاب ومكوّنات سياسية، وقد تركوا الدراما وذهبوا إلى ساحات القتال إما للمشاركة في إنتاج مسرحيات أو تقديم الدعم المعنوي للمقاتلين".

الشي الثاني، وطبقًا لــ باحريش، هو تعطيل عمل القنوات التي أصبحت هي الأخرى مشتتة، بل بعضها توقفت تمامًا عن الإنتاج، والبعض ينتج بأسعار ضئيلة جدًا وذلك ما يجعل المنتجين يتوقفون عن العمل.

محاكمات

مؤخرًا كانت سلطة صنعاء، قد عملت على إغلاق قناة السعيدة الفضائية المستقلة، بسبب سياستها التي قالت إنها لم تنحز للوطن أو شيئًا من هذا القبيل. وفي حين يستمر الإغلاق منذ ما يقارب ثمانية أشهر، رفعت سلطات صنعاء دعوى قضائية على القناة وعلى طاقم مسلسل "همّي همّك" الذي عرض خلال العام، وقدّمت له تهمة تشويه دور وزارة الداخلية ورجال الشرطة.

وكان مخرج المسلسل فلاح الجبوري، نشر على صفحته في فيسبوك صورة الدعوى المقدمة إلى المحكمة، والتي تؤكد تقديمه مع عدد من الممثلين للمحاكمة، وبعض القائمين على القناة، وهي خطوة اعتبرها الجبوري، غير قانونية.

دراما سياسية وطائفية

في المقابل، هناك بعض القنوات اليمنية التابعة لجماعة الحوثي، ولحليفها المؤتمر الشعبي العام، يشاع أنها الآن تحضّر لمسلسلات درامية رمضانية سياسية، تفرض أفكارًا طائفية، وهذه المسلسلات اعتبرها كثيرون نوعًا من أنواع الاستهداف للنسيج المجتمعي.

وكما حصل العام الماضي، أنتجت قناة "اليمن اليوم" التابعة لنجل الرئيس السابق علي صالح، مسلسل "فك لي أفك لك"، وهي دراما موجّهة لم تخل من السياسة وموقف صالح في الصراع الدائر بالبلاد، وهي تستعد لدراما مماثلة هذا العام طبقًا لمصادر تحدثت إلى "جيل".

في مقابل ذلك، أنتجت قناة "سهيل" الخاصّة والمملوكة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، عملًا دراميًا بعنوان "أنا أشتي أفهم"؛ العام الماضي، يهدف إلى تسليط الضوء على جرائم الحوثي في حق الشعب اليمني بقالب كوميدي، وهي تستعد هذه السنة لإنتاج عمل مشابه.

غياب الكتاب والإمكانات

مشكلة أخرى، يطرحها حسن باحريش، مساعد مخرج، والمشكلة من وجهة نظره، والتي تجعل إنتاج الدراما في اليمن متعبًا جدًا، تتمثل في التأخير في الإنتاج قبل عدة أشهر من رمضان وذلك ما يجعل العمل ضعيفًا من نواح كثيرة، لسرعة الإنتاج والتصوير والاستغناء عن الكثير من المشاهد وربّما تكون مهمّة بسبب ضيق الوقت.

وإلى جانب ذلك يشير باحريش، إلى تعقيد آخر، وهو أنه لا يوجد كتّاب محترفون ومتخصّصون في كتابة الدراما "رغم وجود مواهب كثيرة في اليمن، وأعتقد لو تم البحث عنهم لحصلت على الكثير، لكن زي ما قلت ضيق الوقت وعدم الترتيب للعمل وإعطاء فتره زمنية كافية، وهذا الأمر ربما ناتج عن غياب الإمكانات لدى القنوات وغياب الرعايات التي تعتمد عليها عملية إنتاج أي عمل درامي في اليمن، فالحرب غيّبت كل شيء على ما يبدو"، على حدّ قوله.

من جهته يرى الصحافي، والكاتب الدرامي، علي محسن أبو لحوم، أن الدراما في اليمن أخذت في الانحسار لأسباب اقتصادية وأمنية منذ عام 2014، ونتيجة للوضع القائم، "عندما نتحدّث عن الانحسار فإننا بذلك نعني الجانبين الكمي والكيفي. موارد الإنتاج أصبحت شحيحة لدى الشركات الفنيّة ناهيك عن هجرة معظم الشركات إلى الخارج، بمعنى آخر شهدنا العام الماضي وهذا العام إنتاجا دراميًا فنيًا أستطيع تسميته "دراما الهجرة"، وهذا النوع من الدراما يفتقر إلى القيمة الفنية لمضمون أفكار العرض والمعالجة، كونها ستركز في جلّ الأعمال على مناقشة وانتقاد المتسبّب في تهجيرهم بأسلوب فج وتهكمي لا يحترم عقلية المشاهد".

ويتابع المتحدّث: "دراما الداخل ستكون محاصرة بنوعية أفكار تتواءم مع السياسة الداخلية والمناخ العام الغالب على الساحة الفنية، كما أن شح الإمكانيات ستؤثر أيضًا على الجودة الفنية للأعمال؛ باختصار دراما هذا العام ستكون غزيرة من جهة وفقيرة من عدّة جهات، غزيرة من حيث الكم وفقيرة من حي المضمون.
تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن برس https://yemen-press.net - رابط الخبر: https://yemen-press.net/news95502.html