السبت ، ١٨ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١٤ صباحاً

إشكالية الثورة اليمنية

مروان المنصوب
الأحد ، ٢٢ يناير ٢٠١٢ الساعة ١١:٢٣ صباحاً
بنية اليمن السكانية قبلية وللسيطرة ادخل مشايخ القبائل القوية قبائلهم بصراعات وحروب، نجح الأئمة الهاشميين في قيادة القبائل للتحرر من العثمانيين وتأسيس المملكة المتوكلية وبسط سلطتها على الشمال والشمال الجنوبي كان على حساب سلطة المشايخ، فلم يرق للمشايخ ذلك التحول فدخلوا في صراع مع المملكة وأقحموا قبائلهم فيه (لعنة حاشد) كما لم يرق لأل سعود وجود سلطه قويه في اليمن فتحالف المشايخ وأل سعود ضد المملكة المتوكلية.

الصراع بين المملكة وذلك التحالف وإدارتها للبلد بنظام الإدارة العثماني القديم وهجرة مواطنيها إلى عدن للعمل والدراسة وبتعاث مدنين وعسكريين أدى إلى ظهور نخب وطلائع طالبت بالتغير وقامت بالثورة فأظهر المشايخ التأييد للثورة رغم إدراكهم لخطرها على سلطتهم، وعلى الرغم أن الثورة خلصت أل سعود من عدوهم الشيعي تعاملوا معها كخطر عليهم ،وللمواجهة الخطر المشترك تحالف أل سعود والمشايخ فقدم أل سعود الدعم للملكين لاستعادة السلطة ولعبت القوى التابعة للمشايخ دور كبير في عدم حسم المعركة لمصلحة أحد الفرقين بهدف استنزاف الطرفين ولإخراج القوات المصرية الداعمة للثورة حرض المشايخ أبناء القبائل بأن أوهموهم أن المصريين نصارى محتلين وأن الضباط اليمنيين المتعاملين معهم عملاء وأن الواجب عليهم التخلص من المحتل والعملاء فدخلوا مع تلك القوات بمعارك كلفتها الكثير كما أن دخول مصر في الحرب مع إسرائيل زاد من الضغط عليها فسحبت قواتها من اليمن، وتفرغ التحالف لتصفية ضباط الثورة والزعامات الوطنية التي ساندت الثورة وإيصال رجالة إلى السلطة بانقلاب أغسطس 1967م غير أن حركة 13 يونيو بقيادة الرئيس إبراهيم ألحمدي أقصت رجال ذلك التحالف من السلطة وبسطت سلطة الدولة على كامل الوطن، فتأمر التحالف مع استخبارات دولية للتخلص من الرئيس ألحمدي فتم الغدر به بأسلوب بشع وسلموا اليمن لهذا النظام الذي استكمل تنفيذ مخططها فصفى مؤسسات الدولة ومجتمع المدينة (تعز، الحديدة، أب) بأن عين على تلك المحافظات أمنين كمشايخ ودمر التعلم وسخر من التخصصات وسلم الوظائف إلى غير المستحقين وصفى أغلب البيوت التجارية والصناعية بأن سمح بالتهريب لإتاحة الفرصة لتجار ومقاولو النظام الذين ترسي عليهم المناقصات ويكلفون بالتوريد دون منافسة أو رقابة ونعكس كل ذلك على مشاريع البنية التحتية فأصبحت عبئ على البلد.

تخوف النظام من نهضة واستقرار دولة الجنوب بانفتاح قيادة الحزب الاشتراكي(على ناصر محمد) على الجوار، فستغل أحداث يناير 1986م التي أضعفت بنيتها السياسية والاقتصادية فقبل الحزب بالوحدة الاندماجية وتخلص النظام من شريك الوحدة بحرب صيف العام 1994م وبانتخابات العام 1997م والتعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسة عام 2006م التي فاز بها النظام على مرشح اللقاء المشترك الجنوبي فيصل بن شملان بالتحالف مع الفصليين المشيخي والوهابي في التجمع اليمني للإصلاح.

عقلية النظام الإنكشارية الانعزالية وسيطرته على التجارة والإنفراد بالقرار الاقتصادي والسياسي وتعزيز المركزية وأدى إلى تجميد الحياة العامة وانتشار الفساد والفقر وفشل الدولة - ولد جيل على قطيعة مع النظام السياسي حرم من التعليم الحديث المخطط وظهرت طلائعه الأولي بما عرف بالشباب المؤمن والحراك - ظن النظام أن سياسة التحريض المناطقية والمذهبية ستحول دون تكوين جبهة وطنية لإسقاط النظام الشخصي في الدولة والقبيلة والأحزاب.

أدرك النظام السياسي الخطر فأعلنت قيادات المعارضة دعم الثورة وسيطر المسيطرون عليها على الساحات فشكلوا لجان تنظيمية و منسقيات ومجالس و إتلافات كما أيد المشايخ والعسكر ورجال الدين الثورة بعد صحوة الضمير الغائب أصلا- وتخلوا عن شريحة المؤتمر وركبوا شريحة سبأ فون الشبابية مؤقتا مقتدين بالثائر ألقذافي(عبد الفتاح يونس).

ولأن اليمن فقيرة وتحت انتداب أل السعودي لم يغري ذلك قطر لتمويل تكاليف حملة العلاقات الدولية لدعم الثورة اليمنية وتدخل النيتو لوقف قتل اليمنيين واكتفى أحرار العالم والقوى الكبرى بالطلب من رأس النظام نقل السلطة بإشراف أل سعود الذين حرصوا على حل أزمة حلفائهم بمبادرة إعادة تقاسم السلطة وإزالة مظاهر التوتر السياسية والأمنية(الثورة الشبابية) التي قبلها طرفي الأزمة - راهن الجميع على الوقت فتقاطر على الساحات طابور من الوعاظ والمثقفين ومارسوا دور المعلم فتأخر الفعل الثوري، أدرك ذلك الشباب وحرضوا على التصعيد وحصل التصعيد بمسيرة حي الزراعة التي عارضتها تنظيمية المشترك لعدم حصولها على ترخيص منها ووجهت بطلقات كتائب النظام والمنشقين من الفرقة وترك الشباب محاصرين وفك حصارهم شباب الصمود واليسار - استمر التصعيد بساحة الحرية بتعز - قرر النظام إخلاء ساحة الحرية بتعز فاحرق من عجز عن مغادرتها ونصرت تعز بدعاء رجل أشعث أغبر فلم ينفض الجمع في الستين إلا وقد أستجيب دعائه بانفجار دار الرئاسة وتسمرت الأقدام عن الزحف لعدم التأكد من حقيقة ما جرى ووجهت الحشود إلى منزل النائب وطلبت منه نقل السلطة، ولأن عبد ربة جنوبي ويعمل بشريحة واحدة لم يقم الرجل بنقل السلطة.

رحل النظام بذريعة حادث دار الرئاسة ولتسلم السلطة أعلنت توكل كرمان تشكيل مجلس انتقالي ولأن المسألة في المجالس أصبحت موضة شكلت السلطة مجلس للقبائل اليمنية وشكل المشترك مجلس وطني وكل تلك المجالس شكلت بطريقة إصدار قرارات النظام وبطابع شخصي في الاختيار والتمثيل ودون أهداف وبرنامج تنفيذي محدد ودخلت البلد في فراغ سلطة أقلق قوى إقليمية ودولية من دخول اليمن في حرب أهلية وتهديد الملاحة الدولية فدخلت بمفاوضات مع تلك الأطراف ولتحسين شروط التفاوض صعد البعض عسكريا في أكثر الأماكن كثافة بالسكان - وأدرك الثوار خطر ذلك ولتخوف من خروج الأمور عن السيطرة أعيد الرئيس لخلط أوراق اللعب من جديد فالعب بورقتي الدين(الفتوى) والإرهاب(قتل العولقي) وغازل القوى السلفية الجهادية بالترغيب والترهيب لتحيدها أولا والتحالف معها لاحقا بالصراع العسكري الذي لم يبقى سوى إعلان قراره، واستمرار الضغط للقبول بانتخابات مبكرة وتم التصعيد السلمي – واجه النظام ذلك التصعيد بعنف مفرط الأمر الذي أحرج قوى دولية وولد تعاطف إنساني حرك الرأي العام خاصة في أوربا ودفع بالدول الكبرى إلى التقدم لمجلس الأمن بمشروع قرار لحماية الثوار من القتل وضمان السلم والدعوى إلى تقديم المساعدة لليمن وصدر القرار الذي أدان العنف من الطرفين وأكد على حماية حقوق الإنسان وعدم منح أي حماية أو حصانة لمرتكبي الجرائم وشدد على توفير الحماية للمتظاهرين ودعا الرئيس إلى التوقيع على المبادة الخليجية ودعا الأطراف إلى الدخول في حوار للتوصل إلى تسوية - يعيد المحللين صدور القرار بتلك الصيغة إلى عدم تمكن قيادة الثورة من توثيق جرائم النظام وفقا للمعايير الدولية ولضبابية المعلومات ولتخوف الطرف الدولي من الطرفين أمسك العصا من الوسط لكبح الطرفين، ولم تفلح إعتصامات توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل لسلام أمام مجلس الأمن بإحالة ملف صالح إلى محكمة الجنايات الدولية كما وعدت.

أستمر النظام بتوجيه رسائل متناقضة فمرة يرفع من درجة خطر القاعدة ولإرهاب واستهداف الجماعات الجهادية ليضعها بين خيار التحالف معه أو القتل خارج القانون وشن حملة إعلامية وحقوقية تحمل الثوار والمشترك إعاقة وتعطيل التعليم والحياة العامة بهدف التحريض عليهم محليا ودوليا وإيصال رسالة مفادها أن الثورة هي السبب بحرمان الشعب من التعليم والصحة وغير ذلك من الخدمات وأن الجيش الموالي للثورة يشترك بالمسيرات ويحتمي بالمدنين بالأحياء والساحات.

استجابة قيادة الثور لأفعال وتصعيد النظام بطيئة وغير منظمة ومرتجلة ويظهر فيها الطابع الشخصي وعدم العمل المؤسسي الأمر الذي يهدر من إمكانياتها ويضعف من خطابها ويهدر إمكانياتها في كل المجالات، فإعلامها ركيك ورسالته مشوشة وغير واضحة وقدرتها على التواصل محدودة وهي بحاجة إلى برامج إعلامية موجهة ذات رسالة محددة توضح نوعية التعليم والرعاية الصحية والإدارة والخدمات المطلوبة الغير موجودة أصلا وتحرض وتشارك بفعالية مع النقابات وقوى المجتمع المدني وعموم الشعب للمطالبة بها لإخراج هذه القوى عن دائرة الصمت وضمها إلى الحراك الثوري والانتقال من التعامل بردة الفعل إلى صناعة الفعل وتوجيهه فالجميع يعلم فساد النظام ولا يحتاج إلى من يذكره بذلك بل يحتاج إلى من يحدد الحلول المطلوبة للمشكلات وتحديد الملح منها والبدء بما يمكن النجاح به لتحفيز المواطن على الاستمرار حتى تحقيق هدف إسقاط النظام وبناء مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية.