الخميس ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٣ مساءً

حُمى الشيوخ

وليد تاج الدين
السبت ، ٢٠ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
ماذا يمكن لنا أن نسمي انتقال الميزات والصفات والأدوار التي تتميز بها أسرة أو فرد في المجتمع إلى الأبناء بحيث يصبح لهم حق اكتساب هذه الميزة لمجرد الانتماء لهذه السلالة, فتنتقل السمات من الأجداد للآباء للأبناء وهكذا حتى أصبحت حقا مكتسبا في سبيل الحفاظ عليه قد تشتعل الحروب وتقوم النزاعات ولا سبيل للخلاص من هذه البلية حتى بالثورات التي أسقطت أنظمة بينما لا يمكن إسقاط شيخ واحد مهما كثرت مصائب العباد من ورائه.

المشيخة في بلادنا ليست إلا تكريس للسلالية فالمشايخ في العادة هم جزء من قبيلة يكون لهم فيها حق السيادة والمكانة دون عامة الناس حيث يحظون بما لا يحظى به غيرهم, وقد تجاوز هذا التمييز وجودهم في المجتمعات القبلية في الفترة الأخيرة حيث اقتحموا نطاق المدينة وجمعوا بين ادعاء التمدن وبين الحفاظ على المميزات وأصبحت مشيختهم ليس ¬حكرا على القبيلة فحسب بل تناسوا أنفسهم وأصبحت مشيختهم مفروضة على المدنيين وعلى الدولة وصولا إلى قمة الهرم وأصبحوا أشبه بالمرجعيات الدينية وآيات الله ولكن من منظور قبلي مرتبط بالأعراف والعادات والتقاليد التي يسهل هضمها وتقبلها.

ولم يقف الأمر عند تمييز الشيخ داخل قبيلته مرورا بالمدينة وقفزا إلى رأس الدولة وميزانيتها ومؤسساتها التي أصبحت بصورة أو بأخرى جزء من إقطاعية الشيخ بل خرج التمييز والتأثير خارج الحدود وصولا لدول الجوار حيث أصبح الشيخ هناك غير المواطن, وبينما يموت المواطن على الحدود أملا في الحصول على أدنى الأجور وسد الجوع إلا أن الشيخ من نفس الوطن يستلم الميزانيات والمبالغ الشهرية وبما يفوق المتوقع مقابل مهام وأدوار غير معلنة وغير مفهومة ولم يجد المتورطين فيها مبررا سوى وصفها بالكرم الذي لا معنى له, ولم تقف طموحات المشيخة هنا فقد امتدت حشرية البعض لتعبر القارات عن طريق التغلغل في السفارات الأجنبية وعقد اللقاءات مع السفراء والوفود, وهذا ما يزيد الضغط على مطبخ صنع القرار للرضوخ تحت سقف نفوذهم لتحاشي حجم الأضرار والمشكلات التي من الممكن أن تتسبب به عنجهية هذه العقليات التي وجدت من يفرضها على ساحة وطننا, أحد الركائز التي ترتكز عليها هذه القوى المال الذي يلتف البسطاء والتابعين حوله كصغار السمك الذي يلحق الحوت أملا في التقاط فضلاته وفتات ما يأكل.

عندما يظل ابن الشيخ شيخ بالفطرة كان صالحا أو طالحا وابن الرعوي رعوي متعلما أو جاهلا فإن هذه هي السلالية المقيتة التي رفضها شعبنا كممارسة أيا كانت مسمياتها وسلوكياتها, والتي تتعارض مع مفاهيم الحياة وقيم الدين وذوقيات المجتمع, رحم الله دولة زمان التي جعلت حدودا لعنجهية المشيخة التي تشكلت من بعد ثورة سبتمبر وليس قبلها, رحم الله الرئيس الحمدي الذي سعى للحد من نفوذهم وتقليص حشرية أنوفهم في كل شيء.

امتلاك الشيخ لكل مقومات الدولة من سلاح ومال ونفوذ وحرية في العبث اللفظي والسلوكي ومنابر للتهكم وتهديد شرائح واسعة في الوطن هو اخطر ما في الأمر والذي لا يؤدي إلى استقرار أو تنمية أو تعايش, وبالنظر لآخر هذه الممارسات فهل كان تهديد الشيخ الأحمر للجنوبيين موفقا ومعبرا عن رأي من يدعي تمثيلهم أم كان مجرد تعبير عن الخوف على مجموعة مصالح في الجنوب يخشى شخصيا فقدانها دون مصلحة العامة, ألا يدرك بعد التجارب أن المصلحة تتمثل في التعايش بسلام والتضحية مقابل تواجد الآخر ومنحه مساحه يمكنه التحرك والتعبير عن وجوده فيها, وهل التهديدات المستمرة لجماعة الحوثي تأتي معبرة عن الرغبة الحقيقية في التوجه نحو الحوار وإنهاء الصراعات والحروب, هذه التهديدات تجعل اتهام نظام صالح بارتكاب الحروب في صعده محل ريبة وإلا فما معنى خطاب التحريض بعد رحيله, العصا والجزرة هي الفكرة التي يريد الشيخ أن يطبقها وفقا لمحتوى عقليته ومدى تصوراته, أيضا تهديد نفس الشيخ للجنة الحوار قائلا أن عليهم أن يحترموا أنفسهم ويعرفوا حجمهم فهم ليس إلا لجنة فنية.. في إشارة منه إلى رفضه فكرة الاعتذار للجنوب وصعده ولكن هذه الفكرة لا تروقه لأنه يريد اعتذار للحصبة فقط وربما يعتقد أن تقديم الاعتذار هو سقوط لهيبته وجلالته, لو لم يكن من يسمع هذا الكلام يعرفه لظن أن هذه اللجنة عبارة عن فخذ من قبيلته قام هو بتكليفها لحل قضية في نطاق نفوذه القبلي وله الحق في تحديد دورها وفرض رؤيته عليها, أصيب الكثير بخيبة أمل شديدة وتشكيك في قدرة لجنة الحوار على تحقيق الغايات المنشودة لتوحيد كل القوى تحت سقف واحد وبحيز متساوي للجميع.

ألا يدرك الشيخ أن تصرفاته هذه الذي يدّعي بها وحدويته هي احد أهم أسباب الدعوة لرفض الوحدة من قبل الطرف الجنوبي بحجة أن ثقافة مجتمع الجنوب وتركيبته لا تقبل الرضوخ تحت سلطة الشيوخ ولا تقبل مجرد فكرة تمييزهم عن غيرهم فضلا عن تدخلاتهم في شئون الحياة العامة وسياسات الدولة, أعتقد لو أدرك هذا لكانت لهجته أخف حدة ولكانت طريقة ادعاءاته بالحفاظ على الوحدة مختلفة, وهل يدرك أن سلاحه المتنوع الذي يتفاخر به هو احد أهم أسباب انتشار وتملك السلاح لدى القوى الأخرى التي ينادي هو بتجريدها من السلاح, وهل يعي أن لجنة الحوار جاءت لمحاولة إصلاح ما أفسده الدهر بشيوخه ونافذيه ومتغطرسيه ومحاولة التخلص من آثار تلك الأخطاء, فلماذا إذن نعيد الكرَّه يا شيخ! وما الداعي للحوار أصلا إن كان على طريقة الشيخ وما الداعي للحوار إن كان الشيخ يرى أن الحوثي إيراني وأن الحراك انفصالي وأن المؤتمر الشعبي حزبا للمخلوع.

لا اعتراض هنا على القبيلة ولا على تواجد المشايخ كما قد يعتقد البعض ولكن على الدور الذي يجب أن يجسدوه في الدعوة للسلام والتعايش وتقبل الآخر دون استصغاره أو لي ذراعه, واحترام مدنية المجتمع وثقافته وتنوعه وجعل القبيلة احد المكونات وليس وحيدها, وامتثال القبيلة بسلاحها تحت سلطة الدولة عملا لا قولا مثلها مثل أي مكون آخر ندعوه لوضع السلاح, والابتعاد عن التعالي على الفئات الأخرى وعدم التحدث بلهجة السلطة, وفق هذا فالجميع يقر بانتمائه للقبيلة واعتزازه بوجودها.