الجمعة ، ١٧ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٣٨ مساءً

أنت الآن إنسان..!

د . أشرف الكبسي
الاربعاء ، ٢٨ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
بعد أيام من وصولنا إلى كوالالمبور ، وبينما كانت صغيرتي تمسك بيدي ، وتقفز فرحاً وسعادة بربيعها السابع ، وتحتفل على طريقتها ، بكل ما يحيط بها ، من صور البهجة والجمال ، ومعاني الطمأنينة وراحة البال، فاجأتني بقولها: "بابا... أنت الآن إنسان"..! نظرت إليها في دهشة لا تخلو من عتاب ، فاستطردت تقول: كيف لا ، وما عدت يا أبتي تقضي الساعات الطوال تحدق في تلفاز السياسات ، ولا مهموماً بصحبة القات تكتب المقالات ، وما عدت (كالبومة) تسهر الليالي ، لتصنع من سجائرك دخان السحابات ، وعدى عن هذا وذاك ، ها أنت اليوم أكثر تبسماً ، وأقل عني بنفسك انشغالا..!

نعم يا ابنتي... قد أكون في رحلتي هذه – وإلى حين – أقرب بالفعل لما تسمينه (إنسان) ، وأدعوه أنا – تلطفاً- هدنتي مع ذاتي ، وذلك بعد أن خلعت عن كاهلي –لأجلك- ما استطعت من غائر أحزاني وعوالق أوهامي ، وتخليت مؤقتاً عن العيش ، طوعاً وكرها ، في مقامات أسوأ عاداتي.

ومع كل أمنياتي دوام ما تسعدين له ، وبقائي على حالي هذا (إنسان) إلا أني وإياك عائدان عما قريب إلى جغرافيا افتراقنا ، في مقر عيشنا ، في العزيزة على قلوبنا.. بلادنا ، حيث يتدني مقام الشعور بقيمة الإنسان ، فلا أمن ولا أمان ، ولا حدائق فراشات أو جنان ، حيث الفوضى تعم القلوب والأبدان ، حتى أمست الأخبار السيئة سيدة الزمان ، بل وثقافة المكان ، فبينما نغفو أفراداً وجماعات في مستنقعات الإحباط وخنادق الفتن ، نستيقظ كل مرة ، وبعد كل ثورة ، لنتجرع خيبة الظن ، وهلوسات الهذيان ، حد النسيان ، فلا عجب - يا أبنتي- حينها وبعدها أن يتلاشى في أبيك الإنسان..!

لا تسألينني ما بال بلادنا ، ليست كهذه البلاد ، ولم لا نحيا كسائر الخلق والعباد ، فأنا حقاً لا أعرف الجواب.. لا تسليني لماذا تقيدنا الأصفاد ، وتقتلنا الأحقاد ، ويحكمنا دوماً لصوصنا الأوغاد... دعينا فقط ننظر ببراءة جمالك إلى الأفق القريب ، ونحتفل سوياً ، طالما وأنا – يا صغيرتي – ما زلت في عينيك إنسان..!