الثلاثاء ، ٣٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٣ صباحاً

عن كل شيء وأي شيء !

د . أشرف الكبسي
الاربعاء ، ١٥ يناير ٢٠١٤ الساعة ١٢:٢٠ مساءً
أليس من الغريب أن نصحوا فجأة لنجد شعباً بأكمله ، بكافة أطيافه ، ومختلف جماعاته وأفراده ، وهو يتحدث ، وفي وقت واحد ، عن كل شيء وأي شيء ، لا لشيء ، إلا لأنه يريد كل شيء ، بينما لا يعرف أي شيء..؟

ذات يوم ، قال أرسطو الحكيم: (الشيء الوحيد الذي أعرفه ، أني لا أعرف شيئاً) ، وخلافاً له يقول واحدنا اليوم ، بلسان الحال أو المقال: الشيء الوحيد الذي لا أعرفه ، أني لا أعرف شيئاً..!

الجميع يتحدث السياسة ، يفند التعاليم والأقاليم ، يحلل حقائب الوزارات ، وأنظمة الحكم والرئاسة ، فإن سألت أحدهم ، ما السياسة ، أجاب بلا كياسة: أنا الشيخ.. سل عني السياسة !

الكل يتحدث الدين ، يصدر فتاوى الشريعة ، بالتحريم (وبالعيب) والإباحة ، التجريم والتكفير ومعتقدات الصحابة ، متى تجوز المفسدة الكبرى ومتى تغيب الصغرى عن الساحة ، فإن سألت أحدهم: ما معرفتك بالدين ، يا صاحب القداسة ..؟ أجاب بكل صراحة وفصاحة : كان جار جدي لأم خالي علامة.!

جميعنا يتحدث الاقتصاد ، فهذا يلوك لغة الاستثمار والحصاد ، وبالمجان يقدم لك الاستشارة ، عن الثروة النفطية والسمكية ، وانهيار البورصة الأمريكية ، فإن سألته ، عن دور منظمة التجارة العالمية ، أجاب باقتضاب: الغرفة التجارية كانت أفضل..!

جميعنا يتحدث عن جميعنا ، لنضاعف بحديثنا ذاك قائم بلائنا.. سل أول من تقابل ، على حائط الفيسبوك ، أو في الشارع المقابل ، عن الوثيقة والحوار والدولة الاتحادية ، عن القاعدة والعلمانية والسلفية ، عن يس نعمان والشيخ والاشتراكية... حتماً سيأتيك الجواب ، خليط مقتطفات عشوائية ، مربكة ومركبة ، من متناقضات برامج التلفزة ، وأنصاف عناوين الصحف وأخبارها الملفقة ، ونهايات خطب الجمعة المشوشة..ستسمع عندها كل شيء وأي شيء ، باستثناء الحقيقة ، وكلمات من قبيل: لا أعرف.!

قد يحدثك اثنان عن (الحوثي) ، احدهما تابع مطيع ، والآخر خصم فظيع ، فإذا ما سألتهما ، عن معرفتهما الحقة ، بالحوثية وأدبياتها ، فكرها وبرامجها.. تبين لك أن الأول آخر (حوثي) على وجه الأرض ، وأن الثاني أول جاهل على وجهها ، وكذلك يفعل السلفي والحراكي ، المؤتمري والإصلاحي ، اليميني واليساري ، والكثير الكثير غيرهم من أعزائي أبناء بلادي..!

نقلب الأحداث والمشكلات قبل وبعد حدوثها ، على كافة أوجهنا وجنوبها ، نضاعف بمخاوفنا وأكاذيبنا حجمها ونزيد بإدعاءاتنا وتهويماتنا بلائها ، حتى يهول علينا صغيرها ويتعاظم مهولها ، فلا نجد حلاً لها أو مخرجاً منها ، وإنما نجعل من قالنا وقيلنا عنها وفيها ، وقوداً لخلافنا وسكيناً بأيدينا لتقطيعنا.. ولو عرفنا ، لقلنا: اللهم ضللنا ، فهلا هديتنا..!