الأحد ، ١٩ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٠ صباحاً

اغتيال الجعبري اختبار لمصر الثورة!

حبيب العزي
السبت ، ١٧ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
مما لا شك فيه أن التغييرات التي حصلت في بعض أنظمة الحكم العربية جراء الربيع العربي وبخاصة في مصر قد أصابت الكيان الصهيوني أو ما يسمى بـ "دولة اسرائيل" في مقتل ، إذا أنها لخبطت كل أوراقه وأفقدته أعصابه ، كما أصابته بالإرباك الشديد وأصابت قياداته بالذعر والهلع الذي بدا واضحاً للعيان من خلال تصريحات العديد من المسئولين في الدولة العبرية وبخاصة بعد الانتخابات المصرية وبروز قيادة مصرية جديدة تمثل القوى الاسلامية التي كانت "اسرائيل" دوماً تخشى نموها وتصاعدها ، حتى باتت حقيقة مفزعة تؤرق منامها كل يوم ، كما بدا ذاك الذعر والهلع أكثر وضوحاً من خلال الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة طوال الفترة الماضية التي أعقبت صعود الإسلاميين لسدة الحكم في مصر وفي بعض بلدان الربيع العربي ، والذي بلغ ذروته في تلك العملية الإرهابية والبربرية التي أدت إلى اغتيال قائد الأركان في كتائب القسام أحمد الجعبري قبل يومين .

بتقديري .. فإن الهدف الحقيقي من وراء اغتيال الجعبري والاعتداء الهمجي على غزة ، ليس غزة بذاتها وحسب وإنما لتحقيق عدة أهداف أرادها الصهاينة :
الهدف الأول وهو استفزاز مصر بقيادتها الجديدة ، والفضول الأحمق لمعرفة مدى ردة الفعل المصرية على مثل هكذا عدوان بعد ثورة 25 يناير وبعد سقوط حليفها القديم في النظام السابق ، والهدف الثاني وهو محاولة إحراج القيادة المصرية الجديدة والرئيس مرسي تحديداً وإدخاله في دوامة تشغله عن مهامه الرئيسية الملحة – على الأقل في اللحظة الراهنة - ، في الوقت الذي هو بأمس الحاجة إلى الانشغال بالشأن الداخلي المتعلق بإنجاز تنمية حقيقة وبناء اقتصاد مصر ورفع مستوى المعيشة للمواطن المصري عملاً بوعوده التي التزم بها من خلال برنامجه الانتخابي ، ووفاءً بوعوده التي قطعها على نفسه أمام الشعب المصري، وتحقيقاً لأهداف الثورة المصرية، أما الهدف الثالث : فهو صرف الأنظار عن سوريا ومجازر نظام عائلة الأسد ، الحليف –غير المباشر- لإسرائيل ومرتزقة حزب الله وحزب البعث، إلى الانشغال بغزة ، في محاولة منه لخلق بلبلة وفوضى في المنطقة من ناحية ، وإرباك لمسار عمليات البناء والتنمية ، وكذا التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي من ناحية أخرى.

إن قيام أنظمة حكم ديمقراطية في العالم العربي ، يعني بداية المواجهة الحقيقية مع "الكيان الإسرائيلي" ، وهذا ما تفهمه اسرائيل جيداً ، فالأنظمة الديمقراطية تعني خيارات الشعوب ، وخيارات الشعوب العربية لن تصب إلاً في اتجاه واحد وهو السعي الحثيث إلى "اجتثاث" السرطان من جذوره ، واستعادة الأرض وعودة القدس واللاجئين وإنهاء الاحتلال ، ولن يتأتى ذلك إلاّ بوصول قيادات حقيقية لسدة الحكم في العالم العربي تمثل خيارات الشعوب الحقيقية كما تلبي تطلعاتها في هذا الاتجاه ، وتتبنى رسمياً وبشكل معلن دعمها للمقاومة وللحق الفلسطيني في استعادة الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني ، وهذه هي البوصلة الحقيقية وهذا هو الاتجاه والخيار الأول لكافة شعوب منطقتنا العربية دون استثناء ، ولذلك كان لابد أن يصاب قادة الاحتلال في "اسرائيل" بالذعر والهلع جراء هذا التغيير الذي يحدث في العالم العربي بعد ربيعه الذي بدأ يؤتي ثماره ، والتي هي بمثابة الحصاد الكارثي لدولة الكيان الغاصب، ولعل سرعة ردة الفعل للقيادة المصرية الجديدة بعد خبر اغتيال الجعبري خير شاهد على تلك الثمار.

لستُ مع إقحام مصر في مواجهة مباشرة ذات طابع عسكري مع إسرائيل مطلقاً ، على الأقل في هذه اللحظة الراهنة ، كما لستُ مع تحميل الرئيس مرسي فوق طاقته ، رغم كل هذا الذي يجري لأهلنا في قطاع غزة ورغم كل هذا العدوان والعربدة الإسرائيلية ، فحماس نفسها لم تطلب - ولن تطلب- من مصر مالا تطيقه ، لكنني مع ضرورة أن تتخذ القيادة المصرية كل أوراق الضغط التي تملكها ، فخطوة استدعاء السفير على أهميتها لم تكن لتكفي لكبح جماح اسرائيل وكفها عن مواصلة العدوان ، لكن يمكن لمصر أن ترفع سقف ضغطها بالتلويح بطلب تعديل معاهدة كامب ديفيد مثلاً ، باعتبار ذلك مطلب شعبي لدى المصريين ، ويمكنها عمل استفتاء شعبي على بنود تلك المعاهدة ، وربما تكون هذه هي فرصتها التاريخية لفعل ذلك ، كما تستطيع فتح معبر رفح بشكل دائم وتسهيل حركة العبور من وإلى قطاع غزة .

أعتقد في نهاية المطاف أن القيادة المصرية تدرك جيداً أن الانشغال ببناء مصر من الداخل ، مصر القوية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً ، أهم بكثير من الانجرار وراء النزوات الإسرائيلية التي لن تفضي إلا لتحقيق رغبات اسرائيل في الوقت الراهن ، فمصر "القوية فقط" هي التي ستستطيع في المستقبل القريب العمل على إيجاد إجماع عربي ، ومن ثم قيادة ذلك الإجماع لاتخاذ قرارات جريئة من شأنها إحداث تغييرات حقيقية في موازين القوى ، تُجبر اسرائيل "قسراً" على الكف عن عربدتها دون الحاجة إلى تدخلات الدول الكبرى أو المجتمع الدولي كما هو حاصل الآن.