الأحد ، ١٩ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٠ صباحاً

حين تحضر مشهد النزع الأخير لمن تحب

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
الاثنين ، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
لم تمنعه نبوته صلى الله عليه وسلم من أن يحضر لحظات النزع الأخير لولده وفلذة كبده ( إبراهيم ) فحرارة الأبوة والطبيعة البشرية لا تزال تجري في عروقه على وقع نبضات قلبه الحنون ، واعترته ما نسميه بالمنطق البشري لحظات الضعف حين انسكبت الدموع حرَى من مقلتيه الشريفتين ، لكنه صلى الله عليه وسلم خير من يسمي الأشياء بمسمياتها فإنه يصف هذه اللحظات حين أنكر عليه عبد الرحمن بن عوف ذرف الدموع وهو يشهد سكرات الموت تفتك بولده ( إبراهيم ) : أتبكي يا رسول الله ؟!! فيقول صلى الله عليه وسلم : إنها الرحمة . وكأني به صلى الله عليه وسلم يبكيه لما يجد من ألام سكرات الموت ، وأخذ عليه الصلاة والسلام يسمع الدنيا نشيج فؤاده الأبوي ليتردد صداه كلما أتينا على سيرته العطرة في جانب ( الرسول الأب ) الإنسان : ( إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ) . يا ألله .. إنه إذاً الحزن المشروع .. دموع حرَى .. لقلبٍ مكلوم رضي بقضاء الله وقدره دون الجزعٍ ورفع الصوت بالبكاء وضرب للخدود وشقٍ للجيوب .

إنه الجانب المشرق لظرفٍ مؤلم استثنائي فيما يظهر لذوي القلوب المتحجرة ضعف وخور يعاب على به على رجل يجمع الناس على رسالة وقضية يغير بها حياتهم مما كانوا عليه لحياة أخرى يرسمها وفق معايير جديدة لم يألفوها .. ولقد كانت تلك اللحظات فقط أراد الله سبحانه أن يبرهن للناس يومها ولمن بعدهم حين يقف بهم هذه اللحظات وتقف الدقائق والساعات ترقب ما بعد هذا الحزن .. وهل ابتدأ لينتهي ؟ ومتى ؟ وكيف ؟ فيأتيه الخبر : يا رسول الله كسفت الشمس ! ويقول الناس أنها كسفت لموت ولدك ( إبراهيم ) . يا ألله !! أيفتتن الناس بموت ولدي وأدع الناس يخوضون ويعتقدون غير الحق ؟!! والله لا يمنعني حزني على فراق ولدي ( إبراهيم ) من أ ألحق الناس فأبين لهم وأعيدهم إلى الجادة التي لأجلها أرسلني الله إليهم .. أيعتقد الناس بموت الخلق أو بحياتهم لأحداث كونية يحدثها الله هنا وهناك !! .

ويخرج رسول الله إلى الناس ويعلو صوته واضحاً مبيناً : ( أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد و لا لحياته فإذا رأيتم مثل هذا فافزعوا إلى الله بالدعاء والصلاة والذكر والصدقة ) ومن يومها شرعت هذه الصلاة وظلت تشريعاً حتى قيام الساعة . إنه النداء النبوي الجلي الذي يؤكد أن الكون بيد الله وليس لغيره فيه من شيء يحدث الله فيه من التغييرات ما يريد وفق ما يريد وفي أي وقت يريد ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) ( ألا له الحكم والأمر ) .