الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٥ مساءً

مخاطر الحوالات الخارجية عبر الصرافين وجرائم غسيل الأموال 2-2

ياسر عبد المجيد المقطري
الاربعاء ، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٧ الساعة ٠١:١١ مساءً
تناولت في مقال سابق الأسبوع الماضي الحوالات الخارجة عبر شركات الصرافة، والمخاطر التي يمكن أن تحدث بسبب تلك الحوالات التي تخالف كل القوانين الدولية لغسيل الأموال ومكافحة الإرهاب وأثرها أيضاً على الاستقرار النقدي والاقتصادي،حيث أصبح ما يقارب 90% من الحوالات التجارية تتم من خارج القطاع البنكي، دون أدنى رقابة عليها من السلطات التنفيذية في البلد، وهذا مؤشر خطير جداً على انتهاك تلك القوانين،ومبرر قوي لحضر التصدير إلى اليمن من قبل الدول المصدرة.وسيتحمل النتائج الجميع دون استثناء- تجار وسلطة تنفيذية وشعب.
البنوك هي صمام أمان لحماية الجهاز المالي من أي جرائم غسيل أموال -قد تحصل- وذلك بما لديها من وحدات متخصصة وذات معرفة ودراية كبيرة بتلك القوانين الدولية، وما تتطلبه التجارة الخارجية من شروط يجب أن تتوفر في كل العمليات التجارية الخارجية من استيراد وتصدير.وبما تمتلكه من أنظمة مالية شفافة تستطيع من خلالها الحكومة ،والبنك المركزي الرقابة على كل العمليات المالية المؤثرة على مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي كالكتلة النقدية ،وتأثيره على تقلبات أسعار صرف العملة المحلية،وكذلك حجم الحوالات الخارجية ،و الاعتمادات المستندية المرتبطة بالاستيراد ،وأثرها على الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
إن خطوات البنك المركزي اليمني خلال الأشهر الماضية أضرت بشكل كبير بدور البنوك المحلية بقصد أو بغير قصد ،ونذكر على سبيل المثال قرار البنك المركزي بضخ الدولار الأمريكي لزيادة عرض النقد الأجنبي عن طريق بيعها بالمزاد العلني مع نهاية العام 2016م ،وبداية العام 2017م كان قراراً خاطئً حيث باع البنك المركزي حينها عشرات الملايين من الدولارات للصرافين والمضاربين فهذا القرار كان بمثابة صب الزيت على النار لتزداد اشتعالاً ، فقد توفر لشركات الصرافة والمضاربين ما لم يكن بأيديهم من نقد أجنبي من خلال شرائها واحتكارها فيما بعد ليتم التحكم بها وبيعها في السوق السوداء وفق الأسعار المحددة من قبلهم. فتوالت انهيارات أسعار الصرف بعد أن كانت في مستويات 300-310 للدولار الواحد عند إنزال المركزي للمزادات لتصل إلى 450 ريال يمني حسب أسعار صرف السوق السوداء لشهر نوفمبر وديسمبر 2017م.لقد كان الأجدر بالبنك المركزي حصر بيع تلك النقد فقط بواسطة البنوك المحلية التي ستتولى بيعها للشركات التجارية والتجار المستوردين للسلع الأساسية لغرض تمويل مدفوعاتهم الخارجية وخاصةً مستوردي السلع الاساسية ،وعدم السحب نقداً منها، وبهذا الأجراء سيكون البنك المركزي استطاع الحفاظ على النقد الأجنبي بخزائن البنوك التي يستطيع الرقابة عليها،وإيجاد آلية معينة لترحيلها إلى الخارج،لتغذي ارصدتها، وفي نفس الوقت سيوفر السيولة بالعملة المحلية التي كان يريد الحصول عليها مقابل بيعه لتلك النقود بدلاً من ضخها للسوق السوداء للمضاربة بها.
ثم تبع ذلك قرار التعويم في أغسطس 2017م الذي وفر الغطاء التشريعي والقانوني والأخلاقي للمضاربين وشركات الصرافة للتلاعب بأسعار الصرف وبطرق مشروعة وحسب قرارات البنك المركزي حيث أصبح المتحكم بأسعار الصرف هي السوق السوداء وليس البنك المركزي .ولتبسيط فكرة تعويم العملة في هذا الظرف فيمكن القول بأنه أشبه بسفينة في وسط بحر مضطرب بالأمواج والأعاصير تركها ربانها لتلقى مصيرها دون أي تدخل منه..فسيكون من المؤكد غرقها.
لقد وفر البنك المركزي العملة الأجنبية لشركات الصرافة من خلال بيعها بالمزاد العلني وأعطاها الغطاء بقرار التعويم لتتحكم بأسعار الصرف ثم بعد ذلك تأتي الحكومة لتحمل المسئولية شركات الصرافة والمضاربين،هذا التخبط والازدواجية في معالجة أزمة السيولة وتدهور سعر العملة اعتقد إذا استمر سيفاقكم انهيار العملة وستبلغ مستويات التضخم (أسعار السلع ) معدلات عالية جداً سترهق- إن لم تزهق- كاهل الشعب.
يجب أن يعيد البنك المركزي النظر في قرار التعويم والاستفادة من دول واجهت نفس المشكلة وكان التثبيت لسعر العملة من الحلول التي ساعدتها في خفض نسب التضخم وتهاوي سعر العملة،ويمكن أن تكون التجربة اللبنانية في تسعينيات القرن الماضي مثال يحتذى به في هذا المقام ،فقد كان لتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار أثر كبير في تخفيض مستويات التضخم بالتوازي مع رقابة نقدية متشددة بعد أن شهدت الليرة تراجعاً قياسياً لمئات الأضعاف أثناء الحرب الأهلية هناك.
كما أن الانقسام الحاصل في إدارة البنك المركزي سيكون له أثر كبير يضر وبشكل مباشر في الاقتصاد الوطني ويجب على العقلاء من جميع الأطراف تجنيب هذا القطاع المهم الصراع وتحييده حيث سقوطه سيكون المسمار الأخير لما تبقى من قطاعات حيوية لدى الدولة.