الجمعة ، ١٧ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٣ صباحاً

السلطة والمعارضة .. في محراب الخارج

بشير المصباحي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
لا شك أن اليمن تواجه تدخلات إقليميه ودوليه في شئونها الداخليه منذ عهد الإحتلال البريطاني لعدن وحتى يومنا هذا وذلك نظرا لموقعها الإستراتيجي الهام المطل على المحيط الهندي وبحر العرب جنوبا والبحر الأحمر غربا وإشرافها على أهم مضيق في طرق الملاحه العالميه يربط بين الشرق والغرب.
ومن بعد قيام الثورة اليمنيه في الستينات بدأت القوى الإقليميه في رسم سياساتها وأبعادها الإستراتيجية في اليمن فكانت جمهورية مصر العربيه في مواجهة مفتوحه مع المملكة العربيه السعوديه من أجل فرض كل طرف لأوراقه وأجندته على الساحة اليمنيه ضمانا لمصالح كلا منهما في المنطقه ، تقف من خلفهما العوامل والإمتدادات الخارجية بقطبيها اللذين أمتدا بظليهما ليشملا كل دولة على وجه المعموره بشكل أو بأخر .
وعندما تم إعادة تحقيق الوحده اليمنيه بإفرازاتها السياسية الجديده على دول المنطقه وحدوث حرب الخليج الثانيه ، مثلت تلك الحرب منعطفا حقيقيا مع دول الجوار في الخليج العربي فظهرت بعدها بوضوح الأطماع التوسعيه للجمهورية الإسلاميه الإيرانيه لتدخل بذلك كطرف أساسي لتقاسم النفوذ والسيطره على الشأن الداخلي في اليمن ، بما يمكنها من لعب دور أفضل أمام دول الخليج العربي التي تعتبر إيران هي العدو الأول الذي يهدد بقاءها وأمنها وإستقرار دولها.
وبعد هذا كله جاءت الأحداث الدوليه في بداية القرن الواحد والعشرين لتلقي بظلالها على المشهد السياسي الداخلي فقامت الولايات المتحدة الأمريكيه بتعزيز دورها الذي كان شبه خاملا فأتجهت نحو توسيع دائرة نشاطها في اليمن من خلال إستغلال الظروف الإقتصادية السيئة والموارد المحدوده للبلد فأسست لشراكة واسعه مع السلطة والمعارضة على حد سواء وعلى إثر ذلك تم بناء تحالفات قويه تمكنها من مواجهة ما يسمى بالإرهاب الذي تقوده بعض الأجنحة المتطرفه في دول العالم .
وفي ظل المماحكات السياسية القائمة على الساحة الوطنية بين الفرقاء في الداخل والتي تعمقت بشكل كبير بعد حرب صيف 94م ، لم تعد في ظل تلك الظروف والإنشقاقات الداخليه للثوابت الوطنيه أي معيار يذكر فأصبح الإرتهان للخارج أمرا طبيعيا في قواميس السياسيين المتعدده ، كما أن اليمنيين قد خرجت من أولوياتهم تشخيص التعامل مع الخارج بإعتباره مخالفا للدستور والقوانين والسيادة الوطنيه ، فالأمر قد تجاوز هذه النقطة فكل قيادات القوى السياسية في البلد لا تخشى من أحد وهي تقوم بالإفصاح عن علاقتها مع الخارج حيث أنها لا تعتبرذلك تدخلا في شئون اليمن وإستقلال قراره الوطني ، بل إن الحقيقة أن كل من الطرفين في السلطة والمعارضة ظل يسعى جاهدا لكسب ود القوى الإقليمية والدوليه وإعلان الطاعة والإلتزام أمامها بما يمكنه من القضاء على الطرف الأخر في المعادلة الداخليه من وجهة نظره ، حتى جاءت الأحداث الأخيرة في المنطقة لتؤكد على هذه الحقيقة التي أصبحت معروفة لدى الجميع .
وما يهمنا من التطرق لتلك اللمحة والمقدمة الموجزه عن حقيقة الأوضاع السياسية في البلد وإرتباطها بالخارج ما نشاهده ونسمعه اليوم حيث أننا نجد بعض الكتاب والمحللين السياسيين المؤيدين للثوره يقومون وبشكل متسرع بإلقاء اللائمة على التدخلات الأجنبية في اليمن ويحملونها مسئولية محاولة إفشال الثوره من دون الأخذ بالأبعاد السياسيه للواقع الذي نعيشه .. وإن كان الأمر يأخذ من الحقيقة جانبا فإنه وبدون أدنى شك يغفل الجانب الأخر بروح قد يطغى عليها الجانب العاطفي للثوار وإغفال الأبعاد التي تدفع ببعض السياسيين والقوى الموثق إرتباطها بالخارج وهم يقومون بقيادة المتظاهرين وتحريضهم ضد الولايات المتحده الأمريكية والمملكة العربية السعوديه على وجه الخصوص !!!!؟
هذا الأمر أعتبره شخصيا في غاية الغرابه ولا يخدم الثورة مطلقا بل على العكس من ذلك تماما .. فإن حالة السخط الشعبي الذي تقوده بعض الرموز السياسية ضد دول الخارج جعل تلك الدول تستخدم كل أجندتها وعملاءها المرتبطين بها منذ زمن بعيد للحيلولة دون إنتصار الثوره بإعتبار أن الثوار قد أعلنوا عداءيتهم سلفا وبشكل جماعي وصريح لدول الجوار ، وأعتقد أن الأجهزة الإستخباراتية لتلك الدول وفي مقدمتها المملكة العربية السعوديه وتحت طائلة حماية أمنها وإستقرار بلدانها وأنظمتها السياسية ستكون في حل من أمرها للقيام بما تراه مناسبا في سبيل ذلك أمام الأطراف التي تؤيد الثورة اليمنية في تلك البلدان ، كونه ومن الطبيعي أن يكون بقاء أنظمتها وأمن بلدانها أهم لهذه الدول من مصالح اليمن أو أي دولة أخرى ، ومن الطبيعي أيضا أن تقوم تلك الدول باللعب بأوراقها التي ظلت محتفظة بها طوال الفترة الماضيه وجاء الوقت المناسب لإستخدامها وإلا فما فائدة وجدوى الإحتفاظ بها إن لم يكن لمواجهة ظروف شبيهة بالتي تعيشها المنطقة اليوم ...!؟
وبهذا فإننا نكون بتلك الحماقات التي قادتها بعض القيادات لحسابات شخصيه نكون بذلك قد حملنا الثوره خطأ لم يكن في الحسبان ليس بعيدا أن تكون أجهزة النظام وأدواته الرسميه والمخابراتيه هي من أستدرجت الثوار للوقوع في هذا الفخ الكبير الذي تم نصبه بإحكام لتمييع وتزوير أهداف الثورة الحقيقيه ومطالبها المشروعه بالتغيير .
فإذا كان الثوار في مصر قبل الإطاحة بنظام مبارك أعلنوا تمسكهم بكل الإتفاقيات الدوليه الموقعه مع إسرائيل وهي العدو الأول للشعب المصري وذلك في سبيل تجنب تدخلها لإحباط الثوره مع العلم بأن التواجد الإسرائيلي في مصر ليس كبير إلى الحد الذي يخشى منه لإحباط إرادة الشعب المصري ، و نجد الثوار اليمنيين بالمقابل يعلنون عداءهم المطلق لجارتهم المملكة العربية السعوديه والولايات المتحدة الأمريكية اللتان تمسكان بكل رؤوس خيوط اللعبة السياسيه في اليمن من سلطة ومعارضه المؤيدين للثورة والرافضين لها على حد سواء.
ومع أنني لا أعلق كثيرا على الخارج إلا بالقدر الذي يجعله عاملا مساعدا لحالة النجاح او الفشل للثوره ، هذا الأمر يقودني للتعريج ثانية على الثورة المصريه فالنظام المصري السابق كان من أكبر الأنظمة في المنطقة العربيه إرتباطا بالخارج وبالغرب ودول الخليج وإسرائيل على وجه الخصوص إلا أن الخارج لم يستطيع أن يمنع عنه غضب الشعب المصري في محاولة إفشال نجاح الثوره لأن إرادة الشعب كانت أقوى من كل العوامل المساعدة للنظام في قمعه للثوار خاصة إذا ما تأكدنا أن الولايات المتحدة الأمريكيه وكل دول المنطقة بدون إستثناء كانت تقف إلى جانب الرئيس حسني مبارك عند إندلاع الثوره وما بعدها حتى ماقبل سقوط نظامه ، وإذ نشير إلى ما ذكر فإننا في الوقت نفسه نستغرب طرح نظرية المؤامره الخارجيه في اليمن والتعويل على الخارج في صنع مالم نستطيع نحن القيام به فالثوره ملك لليمنيين والأطراف الخارجيه من الطبيعي أن تنظر لمصالحها في اليمن وفي حالة تقدم الثوار نحو الحسم فإن كل دول الإقليم والدول الخارجيه بشكل عام ستصبح مجبرة للتخلي عن حلفاءها التقليديين السابقين والتوجه نحو دعم الثوار بإعتبارهم شركاء المستقبل في ضمان إستمرار مصالح تلك الدول في المنطقه .
وخلاصة للقول :
فإن هذه القاعدة مهمة جدا و تستلزم من الجميع إعادة ترتيب الأوراق بما يضمن إبعاد الثورة عن إستعداء الخارج سواء كان ذلك في المحيط الإقليمي أو الدولي ، كما يجب الإتجاه نحو إعلان إنتصار الثوره وتأكيد الحسم لمستقبل البلد الذي ينتظره كافة اليمنيين و بأياد داخليه مهما كلف ذلك من ثمن .. حيث أن العنوان الجوهري لنجاح أي ثورة يتطلب التضحيات للحصول على النتائج المرجوه .
وإن كان من رسالة لدول الجوار فيجب أن تكون رسالة المحبة والتسامح التي نقول لهم فيها إن الشعب اليمني لم ولن يكون عدوا لكم ولا توجد لثورتنا أي أطماع في تصدير خصوصياتنا إلى بلدانكم وكل ما نطلبه منكم هو القيام بدعم ومساندة الثوره وسوف يكون الشعب اليمني متكفلا بحماية حدودكم معه من دون أي مقابل سوى المودة وحسن الجوار.
قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ *
صدق الله العظيم